عشنا لمدة سنوات أطول بروفة طائفية جنرال لتمزيق أوصال الوطن، ثم بدأ أول فصول المسرحية الميلودرامية التراجيدية المأساوية أمام كنيسة القديسين.. فى ظل غياب العقل تنمو طحالب الفتنة فى بركة الجهل والتخلف، عشنا بروفة تلو الأخرى نمثل مسرحية صراع غبى، تُستخدم فيه أسلحة عقائدية: مطاوى قرن غزال من الردح الطائفى والتلاسن الدينى.

يخرج داعية فضائى علينا الآن يسمونه «فاكهة الدعاة»، يمتلك قناة فضائية ويسيطر على عقول الملايين ليعلن إدانته للحادث الإرهابى!! ألم تسمع شريط الكاسيت الذى سجلته بصوتك شيخنا الجليل ومفتى تجارة الآثار، والذى نسمعه فى الميكروباصات والمحال، والذى تتحدث فيه عن قصة الصليب وتحريف الإنجيل وتقول «إنك استفرغت من القصص الجنسية فيه... إلخ»!! يخرج علينا قادة الإخوان الآن يدينون الحادث ويتناسون ما قاله وطلبه مرشدهم السابق مصطفى مشهور بمنع المسيحيين من دخول الجيش.

التطرف لم يعد مقصوراً على الجهاديين والتكفير والهجرة ودعاة السلفية والإخوان فقط، لكنه تسلل إلى مناهج الأزهر نفسه، التى لابد أن تُراجع، ففى أحد المراجع الفقهية للمدارس الأزهرية وهو «الروض المربع بشرح زاد المستنقع». يقول الكتاب فى باب عقد الذمة وأحكامها: «معنى عقد الذمة إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية، ويمتهنون عند أخذ الجزية ويطال وقوفهم وتُجر أيديهم وجوباً لقوله تعالى (وهم صاغرون)»، وفى صفحة200 يأخذ التمييز الدينى صورة بشعة، لو طبقت ستؤدى بالمجتمع إلى التهلكة، فيوصى الكتاب بألا «يدفنوا فى مقابرنا، ولابد من حذف مقدم رؤوسهم وشد الزنار ودخول الحمامات بجلجل أو خاتم رصاص برقابهم ويركبون الحمير لا الأحصنة وبغير سرج، ولا يجوز تصديرهم فى المجالس ولا القيام لهم ولا مبادأتهم بالسلام ولا تهنئتهم ولا تعزيتهم أو عيادتهم، ويمنعون من إظهار ناقوسهم ويلجأون إلى أضيق الطريق»، وهو نفس ما قاله الداعية عمر عبد الكافى فى خطبته الشهيرة التى حاول الاعتذار عنها فيما بعد.

بروفة الطائفية التى عشناها قبل أول فصل مأساوى ظهرت، ولم نلتفت إليها حين حدث الفرز الطائفى فى الشارع المصرى، فصار كل منا يعلن عن دينه فى الشارع ويصرخ به ويتحدث من منطلق أنه فلان المسلم أو المسيحى وليس فلان المواطن المصرى، صرنا نميز المسيحية من المسلمة بمجرد الحجاب أو النقاب، وصرنا نعرف المسلم من المسيحى بدبلته الفضة وجلبابه الباكستانى، صار المسيحى يصر على تسمية أبنائه مايكل وجرجس رداً على الأسماء الإسلامية حمزة وطلحة.. المسيحى تقوقع والمسلم تشرنق.. صارت هناك مدارس لا تقبل دخول المسيحيين مدارسها، وصارت هناك شركات لا تقبل ديانة مخالفة لديانة صاحبها، وصارت هناك أقسام فى كليات الطب مغلقة على أبناء ديانة بعينها، وصار هناك صاحب عمارة يرفض سكن من يخالفونه فى العقيدة... الخ.

أتمنى أن نتدارك الأمر ونغلق الستار على أول فصول تلك المسرحية المأساوية قبل أن نعيش أحداثاً أفظع فى باقى الفصول، ونعيد فلوس التذاكر للمتفرجين، ونحاول تأليف عرض آخر عنوانه «الوطن والمواطنة»، نلغى فيه خشبة المسرح ونلتحم فيه جميعاً ضد التعصب وضد الدولة الدينية الفاشية العنصرية.